تتعدد المشاريع والخطط العلنية والخفية التي تقودها أذرع الاحتلال الإسرائيلي المختلفة من أجل سلخ الأجيال الفلسطينية الصاعدة في الداخل المحتل عام 1948 عن هويتها الوطنية الفلسطينية والعربية، وذلك تحت مظلات ومسميات لامعة.
ومن بين تلك المشاريع التي برزت مؤخرا في الداخل، شبكة وجمعية “عتيدنا”، التي يسعى الاحتلال من خلالها إلى استهداف فئة الشباب واستغلال حاجاتهم الحياتية المختلفة، حيث يقف خلف هذه، اليمين وقيادتاه اليمينية المتطرفة وحركة “الشبيبة العربيّة – الصهيونيّة”، والتي تمتلك “رؤية “بعيدة جدا”؛ تتمثل في إحداث تغيير عميق في هوية المجتمع العربي، بحسب صحيفة “هآرتس” العبرية.
تغيير عميق متدرج
وقالت الصحيفة: “ظاهريا، يبدو الأمر كمبادرة رائعة؛ مجموعة من القادة العرب واليهود يتكاتفون لإقامة حركة جديدة في المجتمع العربيّ تسعى إلى دمج شبان عرب في المجتمع الإسرائيلي، كشركاء متساوين في الحقوق، فيؤسسون حركة شبابية، يوزعون منحا دراسية، ينفذون رحلات وجولات ورشات عمل ودورات”.
ورأت “هآرتس” أن “المبادِرين إلى شبكة عتيدنا ليسوا من اليسار الصهيونيّ، ولا حتى من الوسط، فهم من اليمين المتطرّف، ووزير المساواة الاجتماعيّة عميحاي شيكلي من مؤسسي الحركة ولعب دورا رئيسيا في صياغة رؤيتها. رئيس الحركة هو إيرز إيشل، يقيم في مستوطنة “كفار أدوميم”، وهو أبو مشروع كليات الإعداد العسكرية وصاحب التأثير الاستراتيجي على اليمين الإسرائيلي”.
ونوهت إلى أن “عتيدنا” تروج قيما صهيونية بالصيغة اليمينية، وترسِل وفودا إلى معسكرات الإبادة في بولندا، وتسعى دون أن تعلن إلى تجنيد العرب في الجيش الإسرائيلي. بالنسبة لهم، يشبه الأمر الركض لمسافات طويلة، بهدف إنشاء جيل جديد من العرب الصهيونيين “العرب الصالحين”، وفق رؤيتهم الصهيونية التهويدية.
وعن ماهية وخطورة مشروع جمعية “عتيدنا” وأهدافه، أوضح الخبير البارز في الشأن الإسرائيلي المقيم بالداخل المحتل، البروفيسور إبراهيم أبو جابر، أن “موضوع هذه الجمعية، قديم جديد، حذرنا منها كثيرا، لأنها تشكل خطرا على مجتمعنا وهويتنا الفلسطينية العربية الإسلامية، وهي مؤسسة مشبوهة، يتم تمويلها من جهات أجنبية خارجية ومن جهات أخرى في الحكومة الإسرائيلية”.
وذكر في حديثه لـ”عربي21″، أن “الوزير عميحاي شيكلي (وزير الشتات والمساواة الاجتماعية)، هو أحد المؤسسين لهذه الجمعية بالشراكة مع بعض العرب المنتفعين من ضعاف النفوس، أو المتصهينين والمتأسرلين، رجالا ونساء”.
أنشطة ومشاريع ماكرة
ونوه أبو جابر وهو القائم بأعمال رئيس حزب “الوفاء والإصلاح” بالداخل، إلى أن هذه الجمعية، هي حركة “صهيوعربية”، تعمل بهدف “صهينة وأسرلة أبنائنا وبناتنا من خلال مشاريع تربوية، وتعليمية، ومؤتمرات، ودورات ومنح دراسية، وتوفير أماكن لدراسة تخصصات معينة، إضافة إلى رحلات داخلية ومخيمات صيفية، كما أنه يتم أخذ الطلاب العرب إلى معسكر الإبادة في بولندا، وكل هذه المشاريع مدفوعة الثمن”.
وأكد أن “من أهداف هذه الجمعية (وغيرها من المؤسسات ذات العلاقة)، خلق جيل عربي متأسرل يقبل بالآخر الصهيوني اليهودي ومندمج في مؤسسات الدولة ويعترف بالكيان الإسرائيلي ويتنكر لهويته الفلسطينية العربية ومقتنع بالواقع ويعيشه، وكل ذلك على طريق تحقيق شراكة عربية-يهودية ودمج العربي في المجتمع الإسرائيلي وإيصال قادة وزعماء من هؤلاء إلى الكنيست الصهيوني من أجل تمثيل العرب”.
ونبه إلى أن “ما يجري، هو مخطط جهنمي، يهدف إلى طمس الهوية العربية وخلق جيل يدين بالولاء لهذا الكيان، ويتنكر لهويته والانتماء لشعبه وأمته العربية والإسلامية، وكل هذا يوجد ضمن أجندة تلك الجمعية”، منوها إلى أن “عمل هذه الجمعية وأهدافها تنطلي على شريحة معينة، وعادة ما تكون ضعيفة من أبنائنا وبناتنا، معظمهم من أصحاب القدرات المتوسطة، ممن يسعون إلى التعليم الجامعي أو الحصول على وظيفة أو مهنة ما، في وقت قصير ودون أن يكلفهم الأمر بعض المال، وذلك عبر توفير منح في الجامعات الإسرائيلية، وهذا يشجع بعضا من أصحاب الوعي السياسي والديني الضعيف، في خداعهم بالانخراط في تلك الشبكة. وهؤلاء يعملون عبر كل شاب يأتي بآخر؛ بمعنى أن كل شخص عليه أن يجند آخر من أجل إضافة عناصر جديدة لهذا المشروع المشؤوم الذي تقوم عليه عتيدنا”.
وأعرب الخبير عن أسفه الشديد لأن “هذه الجمعية تمكنت من اختراق بعض السلطات المحلية العربية وتنشط في نواد الشبيبة والمراكز الثقافية، وهناك نحو 14 سلطة محلية عربية، هذه الجمعية تعمل من خلالها خاصة في المدارس، وهي أشبه ببعض المؤسسات الأخرى، مثل “أجيك” و”مبادرة إبراهيم” و”التعايش”، وغيرها من الجمعيات الممولة من صناديق خارجية صهيونية ويهودية ومسيحية.
سياسة العصا والجزرة
وحذر من أن “الاحتلال وعبر تلك السياسات، سعى جاهدا لدفع الفلسطيني إلى أن ينتمي لهذا الكيان وفي ذات الوقت يتنكر لهويته وتاريخه ودينه، وللكيان مصلحة عليا في ذلك، حتى إننا نرى أن مشروع المشاركة في انتخابات الكنيست يدخل في إطار الأسرلة وقبول الآخر المحتل المجرم وإظهار أنه مؤسسة ديمقراطية”.
من جانبه، ذكر الباحث السياسي والمختص بالشأن الإسرائيلي إبراهيم خطيب، أنه يمكن قراءة محاولات الاحتلال طمس هوية الأجيال الصاعدة لدى فلسطينيي الداخل من خلال ثلاثة اتجاهات: الأول؛ سياسة العصا والجزرة والتي ترتبط بفرض سياسيات إسرائيلية بالقوة على الفلسطينيين في الداخل، ومحاولة إبعادهم عن أي انتماء فلسطيني عربي وإسلامي، وهذا تمثل بفرض رموز وسياسات وعقاب لم تتماثل مع هويته الفلسطينية والعربية”.
ولفت في حديثه لـ”عربي21″ إلى أن “الاتجاه الثاني تمثل في سياسة ناعمة، تميزت من خلال ما تقوم به شبكة “عتيدنا” عبر الحديث عن حقوق الفلسطينيين في الداخل والحديث أيضا عن بعض الاتجاهات المرتبطة بتحصيل الحقوق للفلسطينيين في الداخل ولكن هذه الحقوق متربطة فقط بالتعامل مع إسرائيل دولة يهودية والاعتراف بهذا التعريف للدولة”.
وأضاف خطيب: “هذا الاتجاه الذي تقوم به جمعية عتيدنا وجمعيات أخرى مثلها، يشير إلى أن إسرائيل تحاول جعل هوية الفلسطينيين في الداخل، هوية فولكلورية مرتبطة بالانتماء الفلسطيني والعربي بشكل عام وهي بعيدة كل البعد عن الانتماء السياسي الوطني الهوياتي الذي يؤكد أننا كفلسطينيين أصحاب أرض وقضية، وجعلهم فقط أصحاب بعد فلكلوري، مع التشديد على الحقوق اليومية المرتبطة بالحياة والأمور الاقتصادية”.
وقال: “بين هذا وذاك، كان الاتجاه الثالث؛ استخدام القوة وأحيانا استخدام القوة الناعمة، ويبدو أن هذه السياسيات لم تؤد أكلها مع الفلسطينيين في الداخل، لذا تحاول السلطات الإسرائيلية بمختلف مشاربها التنويع بهذه السياسة لتحصيل ما يمكن تحصيله، في محاولة طمس هوية الفلسطينيين في الداخل”.
وأوضح أن محاولات الاحتلال طمس هوية الفلسطينيين في الداخل المحتل عام 1948، “مرتبطة بثلاثة أمور أساسية هي؛ إبعادهم عن انتمائهم الفلسطيني والعربي والإسلامي، وثانيا؛ إبعادهم عن النضال الفلسطيني وأنهم جزء من شعب فلسطين يناضل من أجل حرية كل الشعب، وثالثا؛ إبعادهم كل البعد عن رؤيتهم كجزء من مستقبل هذه القضية، وأنهم هم فقط أقلية لديها بعض الحقوق التي تحاول تحصيلها دون أي بعد انتمائي كونهم أصحاب البلد الأصليين”.
سبل إفشال مشاريع الاحتلال
وعن سبل مقاومة هذه المحاولات وإفشال هذه المشروع الاحتلالي، قال الخبير أبو جابر: “نحن كفلسطينيين في الداخل اقترب عددنا من 2 مليون، نسبة الوعي لدينا عالية والحس الوطني اليوم ليس كما كان في ظل الحكم العسكري، وحاجز الخوف كسر، ومواجهة مثل هذا المشروع المشؤوم، تتركز في رفع مستوى الوعي لدى الأجيال الصاعدة في المدارس، من خلال الدروس اللامنهجية”.
وشدد على أهمية مشاركة السلطات المحلية والبلدية في إفشال خطط الاحتلال ومشاريعه، عبر رفضها استقبال هؤلاء لإقامة أنشطة في بلداتهم مثلما فعلت بعض تلك المجالس، وبالتالي لجم تمكنهم من التواصل مع شريحة الشباب”، منبها إلى أهمية عقد دورات وندوات ومؤتمرات، والتي يتم من خلالها فضح هذه الجمعية المشبوهة، إضافة إلى استخدام وسائل الإعلام التي يمكن من خلالها الوصول إلى شريحة أوسع في المجتمع العربي وخاصة أولياء الأمور، لتوضيح خطر هذه الجمعية على أولادنا وبناتنا”.
أما الباحث خطيب، فقد رأى أن “السبيل لإفشال هذه المحاولات، مرتبط بـثلاثة جوانب أساسية؛ الأول يرتبط بالجانب السياسي والقيادات، وهذا بدوره يرتبط بتعزيز هوية الفلسطينيين في الداخل والحفاظ عليها ومجابهة السياسات الإسرائيلية بشكل واضح ووجود رؤية سياسية للفلسطينيين في الداخل يمكن أن ينتظموا حولها”.
والجانب الثاني، يتعلق بـ”تتبع هذه المحاولات من خلال المنظمات والجمعيات الفاعلة في صفوف الفلسطينيين في الداخل من أجل محاولة الوقوف أمامها ومنعها من تطبيق هذه السياسات داخل المجتمع الفلسطيني بالداخل”.
وبين أن “الجانب الثالث هو العمل بشكل حثيث ومنهجي من قبل المؤسسات والجمعيات ذات العلاقة من أجل تعزيز هوية الفلسطينيين في الداخل والحفاظ عليها عبر مشاريع تهدف إلى تعزيز هوية وصمود وانتماء الفلسطيني في الداخل لهويته الوطنية”.
المصدر: عربي21