أخبار السودان : إنها ملامح تكفي للاستدلال على أنه حارق القران الكريم رجلٌ وخيم، مريض نفسياً، مهووس بجلب الانتباه إلى نفسه ومستعد لارتكاب أبشع الأفعال في هذا السبيل، حتى لو تسبب الأمر في تعريض حياته للخطر. إنها عقدة أطلق عليها علم النفس اسم «عقدة هيروستراتوس» تبعاً للرجل الإغريقي الذي دخل التاريخ في القرن الرابع ق. م. بارتكابه اعتداءً على تحفة من تحف عصره ومقدسّاته، وذلك بحرقه معبد مخصّص للإلهة الإغريقية آرتميس في مدينة إفسوس (أو أفسس، تقع في ما هو اليوم محافظة إزمير التركية) وهو معبدٌ كان الإغريق يعدّونه من عجائب الدنيا السبع. وقد تباهى هيروستراتوس بفعله، شارحاً أنه ارتكبه سعياً وراء الشهرة وخلود الذكر.
نجح حارق القران في لفت الأنظار إلى شخصيته المريضة التافهة، إذ يشير محرّك البحث غوغل إلى ورود اسمه بالأحرف العربية على ما يزيد عن أربعة ملايين من صفحات الإنترنت
رجلٌ لم يبلغ بعد الأربعين من العمر، تشير سيرته الذاتية إلى رغبة قصوى في إثارة الاهتمام بشخصيته التافهة. يقول عن نفسه إنه «أسّس وترأسّ حزب الاتحاد السرياني بين أعوام 2014 -2018» وتقول المعلومات التي رصدتها عنه البي بي سي أنه «انضمّ، بعد اجتياح تنظيم ما يُعرف بالدولة الإسلامية، محافظة نينوى ومدناً عراقية أخرى عام 2014، إلى فصيل مسلح «مسيحي التشكيل» يُعرف باسم بابليون، قبل أن ينشق عنه، ويشكل «كتائب روح الله عيسى بن مريم» المنضوية تحت أحد فصائل الحشد الشعبي». كما تنقل الإذاعة البريطانية عن رجل سرياني عرفه في العراق قوله: «عندما كان يقدم نفسه كمدافع عن المسيحيين أيام فترة نزوحنا إلى إقليم كردستان، تسبب في كثير من المشاكل للأسر النازحة وقتها من قبيل الكلام نيابة عنهم ومهاجمة المسؤولين».
ومن طرائف الأمور أن سلطات المدينة لم تكتف بإعدامه، بل حاولت إبطال مفعول جرمه في تلبية قصده، فحرّمت ذكر اسمه. بيد أن قرارها فشل فشلاً محتوماً، وقد بات اسم هيروستراتوس شهيراً، وإن كان سيئ الصيت، يُلقى على أفعال حمقاء تدفع إليها نرجسية الذات المريضة المتّخمة، إلى حد أنه بات اسماً يُطلق على مرَض من الأمراض النفسية. وقد بنى جان بول سارتر إحدى قصصه القصيرة على وصف رجل مصاب بالعقدة المذكورة، وهي قصة اختار اسم هيروستراتوس عنواناً لها. يصف الفيلسوف الفرنسي رجلاً مريضاً نفسياً، معقّداً جنسياً وفاشلاً، ينتهي به الأمر إلى إطلاق الرصاص على أحد المارة بعد أن أرسل برسالة إلى بعض المشاهير من الأدباء ينبّههم إلى ما سوف يقترف ويبلّغهم بأنهم سوف يقرأون عنه في الصحف.
إن حارق القران في السويد من طينة أكثر حقارة بعد من طينة الرجل الذي وصفه سارتر، ناهيك من هيروستراتوس الإغريقي. فهذا الأخير وصل به الجنون إلى التضحية بحياته سعياً وراء شهرة كسبها بفعل بشع لم يصب أحد منه بأذى جسدي، بينما استعدّ رجل سارتر المعقّد إلى كسب الشهرة بالقتل وقد خطّط للهروب بعد فعله، لكنه أخطأ السبيل، ثم أراد الانتحار بمسدّسه تفادياً للاعتقال، لكنّه لم يجرؤ على إطلاق رصاصة في رأسه. أما حارق المصحف في السويد، فهو يحتمي وراء دولة تصون حرّية الرأي والتعبير إلى حدّ السماح بالاستفزاز الحاقد لقسم كبير من البشر، وهو مفهوم غير أخلاقي للحرّية إذ يحمي الاعتداء على الآخرين. ذلك أن حرق المصحف ليس تعبيراً عن «رأي» بل هو اعتداء سافر على عقائد الآخرين ومقدسّاتهم، وبالتالي اعتداء على حرية المعتقد لديهم.
وقد نجح الحارق في لفت الأنظار إلى شخصيته المريضة التافهة، إذ يشير محرّك البحث غوغل إلى ورود اسمه بالأحرف العربية على ما يزيد عن أربعة ملايين من صفحات الإنترنت، يضاف إليها ما يناهز المليونين بالأحرف اللاتينية. والحقيقة أن ذلك الرجل المريض لا يستحق سوى الازدراء، فإن العاصفة التي أثارها فعله المجنون هي مبغاه بالضبط، وكان حرياً بالعقلاء السخرية من غبائه. فإن المصحف والإسلام رأيا عبر التاريخ أخطر من ذلك الفعل التافه بما لا يُقاس، وهما أعظم بكثير من أن يؤثر بهما رجلٌ مصاب بعقدة هيروستراتوس، قضيته أجدر بالمصحّات العقلية منها بوسائل الإعلام أو بالخطب السياسية.
المصدر : القدس العربي