*ولي أمر: هؤلاء (شياطين إنس) ضلوا طريقهم إلى هذه الأماكن الطاهرة
*داعية ومُهتَم بتطوير الخلاوى: لهذه الأسباب (…..) تتكرَّر جرائم اغتصاب الطُلَّاب من قِبَل شيوخهم
*استشاري طب نفسي: ما يتم كشفه من اغتصابات وتقديم الشيوخ للعدالة لا يساوي نسبة (واحد في المائة) من الجرائم المُرتكبة..!!
*خبير علم اجتماع: ظاهرة اغتصاب الأطفال على يد شيوخهم يرجع في المقام الأول للثقة التي يوفرها المجتمع السوداني لهؤلاء النفر
حتى عهد قريب جداً كان مُجرَّد ذكر (خلوة قُرآنية) يجعل الآباء يدفعون بأطفالهم لهذا المكان الآمن بكل طمأنينة؛ لكن يبدو أنَّ ثمَّة (تغييرات) حدثت، ليس في المكان، وإنما في بعض من يقومون بإدارته، والأدلة على ذلك تزداد يوماً بعد الآخر، فقبل أن يفيق الناس من هول جريمة “شيخ خلوة” اغتصب طفلاً أو أطفالاً من تلاميذه، يُفاجأهم “شيخ آخر” بكارثة أكبر، لدرجة جعلت البعض يتساءلون هل ظنَّ بعض هؤلاء (المشايخ) أن الاغتصاب (مادة!!) أُضيفت للمُقرَّر دون أن يدري الناس؟..
أطفال خلوة أمبرو
رغم أحداث السودان المُتصاعدة بسُرعة الصاروخ سياسياً، اقتصادياً، أمنياً واجتماعياً؛ إلا أنَّ ثمَّة خبر مُجلجل هزَّ أركان البلاد ولفت انتباه الجميع، وهو أنَّ شيخ إحدى خلاوى تحفيظ القرآن بولاية شمال دارفور – تحديداً منطقة أمبرو (290) كيلو متر شمال غربي العاصمة الفاشر؛ اتّهِمَ باغتصاب (10) أطفال، وعلى الفور ذهب أولياء الضحايا لفتح بلاغ تحت المادة (45ج) – انتهاك جنسي –
وبالعودة إلى تفاصيل القضية الحزينة المُشار إليها آنفاً نجد أنها قد ظهرت إلى السطح قبل أيام معدودات إلا أنَّ المدير العام لمجلس رعاية الطفولة بولاية شمال دارفور الأستاذة “حكمة الحافظ محمود” قالت لـ(السوداني)، أمس، إنَّ تاريخ وقوع الحادثة يعود إلى العشرين من شهر أكتوبر الماضي لكن القضية لم تجد حظها من النشر إلا بعد أن (دقَّت ميس) المحكمة، ومضت بحديثها أنَّ البلاغ قد تم تدوينه تحت المادتين (45/ج) من قانون الطفل لسنة 2010م (التحرش الجنسي) و(139) من القانون الجنائي السوداني لسنة (1991م) الأذى الجسيم، إلا أن محكمة الطفل بالفاشر وبعد أن استمعت إلى أقوال المجني عليهم (الأطفال)، ومن ثمَّ أحد شهود الاتهام، وكذلك أقوال المتهم الذي نفى التُّهم الموجهة إليه، لتكتمل بذلك أطراف القضية؛ وجَّهت له المحكمة تهمتي التحرش الجنسي والأذى الجسيم، وأوقعت عليه عقوبة السجن لمدة (15) عاماً، مع دفع غرامة مالية بلغت (10) ملايين جنيه.
(…..) هكذا يُبرَّأ المتهمون!!
ويبدو أن الحُكم لم يُرضِ البتَّة؛ كل المُدافعين عن حقوق الأطفال حيث أجمعوا أن عدم حسم تلك القضايا بعقوبات رادعة هو الذي تسبِّب في تكرارها، حيث يقول الناشط عمر عثمان إنه في العام ٢٠١١م أصدر رئيس القضاء (الأسبق) منشوراً جنائياً وجَّه فيه المحاكم بتشديد عقوبة المدانين بجرائم اغتصاب الأطفال، وطالبها بتبيان أسباب عدم توقيع عقوبة الإعدام بموجب المادة ٤٥ (أ و ب) عند تقدير العقوبة..
ويضيف بقوله: “الآن هذا الحكم الصادر بحق مغتصب أطفال الخلوة لم يتضمن عقوبة الإعدام، وهنا يأتي السؤال هل اطلعت المحكمة الموقرة على منشور رئيس القضاء المشار إليه أعلاه وهي على علم به؟؟ إذا كانت الإجابة نعم ما هي الحيثيات والأسباب التي دفعتها لعدم الحكم بعقوبة الإعدام؟؟”.
لكن بالعودة إلى إفادة أمين عام مجلس رعاية الطفولة بشمال دارفور، الأستاذة “حكمة الحافظ” فإنَّ الحُكم قد صدر باعتبار أن الجريمة انتهاك جنسي، وليس اغتصاباً.. وهُنا يشير المحامي والمهتم بقضايا الطفولة الأستاذ محمد مُجتبى أن تلك هي (الثغرة) التي يتسلَّل منها المجرمون، بحيث إن المُترافعين عنهم يسعون بكل الطرق إلى تغيير مسار الجريمة من اغتصاب إلى تحرُّش أو انتهاك، أو غير ذلك من اتهامات يخرج بها المتهم من عقوبة الإعدام .
قضارف و(ربَّك عارف)
ويبقى النبأ المجلجل قبل حادثة خلوة دارفور هو حدث مدينة القضارف – قبل حوالي عامين- حيث ظل ذلكم الشيخ الذي سارت بفظائع جرائمه الركبان يمارس الاغتصاب مع أحد تلاميذه لفترة سبع سنوات ثم اتضح لاحقاً أن “الشيخ” لم يكتفِ بهذا الطفل وحده؛ فبعد البلاغ أقرَّ اثنان من الطلاب بتعرَّضهما لنفس الحادثة من ذات الشيخ.. ليس ذلك فحسب بل عدد من اغتصبهم “الشيخ” وصل إلى (13) طالباً في فاجعة هزَّت كل المجتمع السوداني بالداخل والخارج، وكأنَّما اعتقد الرجُل أن مهمته هي (هتك) أعراض الأُسر بدلاً من (تحفيظ) أبنائهم سور القرآن الكريم.
وقبل أن يستوعب سكان القضارف هول صدمة الاغتصاب والتحرش الجماعي التي ارتكبها شيخ الخلوة الخمسيني، باغتهم شيخ خلوة شاب آخر “عريس” لا زالت (الحناء) تُزيِّن يده ورائحة العطور البلدية تفوح من جمسه؛ باستداراج واغتصاب تلميذه الطفل داخل خلوتهـ وسارعت أسرة الضحية بإبلاغ السلطات المختصةـ وبدورها ألقت القبض على المتهم وتدوين بلاغ تحت المادة(45 – ب) 2010م… وحسب المصادر فإنَّ المتهم (الشيخ – العريس) أوهم الطفل بأنه مصاب بمس شيطاني فلعب بعقله، ثم أعتدى عليه جنسياً داخل خلوته المنوط بها تحفيظ القرآن.
وتتواصل جرائم الاغتصاب بالقضارف حيث اغتصب شيخ إحدى الخلاوى طفلين من تلاميذه تتراوح أعمارهما بين (7 -9) سنوات، وبعد إلقاء القبض عليه بواسطة حماية الأسرة والطفل اعترف “الشيخ” بجرائم اغتصاب وتحرُّش ارتكبها ضد طلابه..
وتتحدَّث مجالس المدينة بالقضارف أن عدد حالات الاغتصاب المُرتبكة ضد الأطفال والمُبلَّغ عنها رسمياً لدى الجهات المتخصة بلغت جوالي (44) حالة.
الجزيرة .. جرائم مشهودة
قبل تلك الحادثتين بأيامٍ معدودة أوقفت شرطة الحوش بولاية الجزيرة إمام مسجدٍ ومأذوناً، قام باغتصاب طفل في الثامنة من العمر، وبحسب مصادر (السوداني) التي تابعت الحدث في حينه فإنَّ المتهم كان يقوم بتدريس القرآن بمنزله لمجموعة من الأطفال، ويوم الحادثة قام باستدارج الطفل، وعقب خروج الأطفال قام باغتصابه ليقوم الطفل بإبلاغ أسرته التي أبلغت الشرطة، وأُحيل الطفل للكشف الطبي، وأُلقِيَ القبض على الإمام المتهم، الذي أقر بفعلته وسجل اعترافاً قضائياً بارتكابه الجريمة، وجاءت أقواله متطابقة مع أقوال الطفل المغتصب..
وقبل ذلك بأيام أوقفت شرطة قطاع الباقير بالجزيرة، أربعة متهمين رهن التحقيق، يواجه أولهم بعد اتهامهم باغتصاب طفلة عُمرها (12) عاماً، وحسبما ورد في لائحة الإتهام؛ فبعد خروج تلاميذ الخلوة أمر “شيخ الخلوة” تلكم الطفلة بالانتظار، وكان هناك ثلاثة أشخاص، ليقوم بالاغتصاب أمامهم، أما الفاجعة الكبرى فتمثَّلت في طفلات أخريات قلن إنَّ “الشيخ” قد ذاته ارتكب ضدهن جريمة الاغتصاب، ولم يجد هو بُدَّاً سوى الاعتراف بكل التُهَم الموجهة ضده تحت المادة (45) من قانون الطفل.
كســـــــــــــــلا .. اغتصاب حدَّ الإغماء !!
وفي منطقة الشجراب الكائنة بمحلية ود الحليو – ولاية كسلا- حوَّل شيخ خلوة أربعيني، هذا المكان الطاهر إلى وكر لممارسة الرذيلة، عندما أقدم على اغتصاب طفلة لم تُكمل الثامنة من عُمرها، حيث دفعت بها أسرتها إلى هذه الخلوة لحفظ القرآن وعلومه، لكن الشيخ قام باغتصابها بوحشية دون أن تشفع لها توسلاتها ودموعها، بل دون إن يكترث هو لقدسية المكان، وعقب إشباع رغبته وانتهاء نزوته شعر الشيخ بخطورة وضع الضحية بعد دخولها في غيبوبة بسبب نزف الدماء التي تدفقت بغزارة من الضحية جراء عنف رهيب مارسه هو ضد الطفلة، فسارع بتسيلم نفسه للسلطات تاركاً خلفه الطفلة تسبح في بركة من الدماء.
الخرطوم .. اعتداء على ثلاثة أشقاء
أما في العاصمة الخرطوم وتحديداً بالمنطقة الواقعة غربي أم درمان – محلية كرري- فقد اكتشف أحد الآباء أن أطفاله الثلاثة الذين بعثهم للخلوة بغرض حفظ القرآن الكريم ظلوا يتعرضون للاغتصاب من شيخ الخلوة بالتناوب لأكثر من عام؛ مما سبب لهم عاهات مستديمة بحسب تقرير طبي أثبت أن “الشيخ” ظل يغتصب الأطفال بالتناوب يومياً حتى أفقدهم القدرة على المشي، مما جعل الأب يشك في سلامة أطفاله وقد ألجمته المفاجأة القاسية عندما أخبره الطبيب بنبأ الاغتصاب.
شياطين إنس
يقول أمين صديق محمود: “مع كامل إيماني بأهمية تدريس القرآن الكريم لأطفالي لأنه علاوةً على خير الآخرة فهو يُنمِّي فيهم رفع كل المهارات مثل تجويد القراءة والخطابة، وتيسير كل عسير في كل العلوم الدينية والدُنيوية، لكن مع كل ذلك، فبعد هذه الجرائم البشعة التي ظل يرتكبها بعض (المحسوبين) على شيوخ القرآن الكريم داخل خلاوى الحفظ وكأنهم (شياطين إنس) ضلوا طريقهم إلى هذه الأماكن الطاهرة، أضاف في حديثه لـ(السوداني) أنه بعد هذه (الفوبيا) سيحرص على تدريس القرآن لأبنائه لكن في منزله وبحضوره شخصياً أو من ينوب عنه من الأسرة ..
غياب الضوابط هو السبب..!!
ويعزي الداعية إسماعيل الحكيم في حديثه لـ(السوداني)، ما يقع من حالات اعتداء على طلاب الخلاوي من قِبَل شيوخهم إلى عدة أسباب منها انعدام النظام الإداري المُحكم بالخلاوى، وأنها تفتقر إلى الضوابط الإدارية التي تُعنى بوضع اللوائح والقوانين ومتابعة الموجودين بالخلوة، وتقويم السلوك، لافتاً إلى أن ذلك انعكس سلباً على وضع الخلوة وعدم التمييز بين المجتهد والكسول، أو الصغير والكبير، ومن لديه مشاكل موروثة من غيره.
ويرى الحكيم أن قدسية مكان كالخلاوى تجعل بعض الانحرافات السلوكية غير مقبولة أو متوقعة وتعطي السلوك السالب بُعداً أكبر من ما يمكن أن يكون في أيّ مكان آخر، داعياً إلى وضع ضوابط حول من هو الشيخ؛ إذ إنها صفة تلحق ببعض الأشخاص لمجرد انتمائهم للمكان، معتبراً أن الدافع وراء حالات الإعتداء مرضية ونفسية أكثر من كونها مُخطَّطٌ لها، مشدداً على ضرورة وجود ضوابط على الشيخ من الجهات المختصة.
وحول الآثار التي يمكن أن تنجم عن حالات الاعتداء يرى الحكيم أنها تؤدي إلى تقليل النظرة للخلاوى وقدسيتها، إلى جانب إثارة الهلع؛ مما يؤدي إلى إحجام الناس عن ارتياد الخلاوى.
والكنائس أيضاً
ويقول إستشاري علم النفس والاجتماع، ياسر محمد علي، أن تكرار ظاهرة اغتصاب الأطفال على يد شيوخهم يرجع في المقام الأول للثقة التي يوفرها المجتمع السوداني في هؤلاء النفر واستبعادهم من فعل تلك الفواحش نسبة لقداسة المكان. وأضاف في حديثه لـ(السوداني) أن بعض الشيوخ منحرفون منذ طفولتهم وولجوا لخلاوى تحفيظ القرآن تحقيقاً لرغباتهم الجنسية باعتبارها مكانا آمناً، ولفت الرجل إلى أن الدور الدينية على مستوى العالم تشهد هذا الانحراف، منوهاً إلى أن الكنائس المسيحية تُعتبر هي الأخرى بؤرة لهذه الممارسات من قبل رهبانها، وطالب ياسر بتبعية الخلاوى إلى وزارة التربية والتعليم، على أن تشرع الوزارة في متابعتها بمشرفين تربويين، وأن تقوم الوزارة بمراقبتها بفريق موجهين وزيارات دورية، وطرح الأسئلة على الدارسين، والوقوف على المشاكل التي تواجههم، مع ضرورة ان تقوم الأُسرة بدور المراقبة اللصيقة لسلوك الطفل في المنازل والسؤال عن (الشيخ) وسلوكه عند التدريس.
أماكن مُقدَّسة
(الخلاوى وأماكن تعليم القرآن بالسودان حالياً تعتبر مكاناً مُلائماً ومناسباً لارتكاب جرائم الاعتداء الجنسي على الأطفال) .. بهذه العبارة الجريئة ابتدر برفيسور علي بلدو استشاري الطب النفسي والعصبي، أستاذ الصحة النفسية حديثه لـ(السوداني)؛ مُبرِّراً قوله بأن الخلاوى مكان مُقدس ويُحظى باحترام وثِقة الأسر والمواطنين، بحيث يستبعد الرجل العادي ورجل القانون عن ذهنهِ وقوع مثل تلك الجرائم داخل رحابها باعتبار أن من يقومون بتدريس للقرآن الكريم بعيدون كل البُعد عن الشُبهات، منوهاً إلى أن هذا الاعتقاد يوفر نوعاً من الأمان وشعوراً بالطمأنينة لدى ضعاف النفوس ممن يرتكبون هذه الفظائع، مشيراً إلى أن ما يتم كشفه من اغتصابات، وتقديم الشيوخ للعدالة لا يساوي نسبة (واحد في المائة)، وذلك لخوف بعضهم من الوصمة الاجتماعية. وأضاف بروف بلدو أن الكثيرين من البسطاء (أولياء أمور الضحايا) يقومون بعمل تسويات خارج نطاق القضاء، وطالب بضرورة الكشف النفسي والاجتماعي على من يودون مزاولة مهنة التدريس بالخلاوى، والحصول على إقرار بذلك من الجهات المسؤولة، مع ضرورة إلحاق جميع الخلاوى بالبلاد بحيث يوجد مكتب للرعاية النفسية والاجتماعية والإنذار المُبكر والفحص النفسي والعضوي بصورة دورية للدارسين من الطلاب.
السوداني +الراكوبة