ما يزال السودان ينفض غبار الإخوان الذي عشش في أركان البلاد منذ 33 عاما، وقاد مفاصلها ونقاباتها ومؤسساتها إلى حالة تيبس.
ومن وسط الركام، لا تزال تنبت أزهار الحرية، لتنبئ بمستقبل زاهر لبلد كاد يدخل في مرحلة موت سريري، لكنه استفاق قبل فوات الأوان ليداوي جراحه، ويقيم مؤسساته ونقاباته.
وكان نظام الإخوان البائد في السودان قد حل آخر نقابة منتخبة ديمقراطيا للصحفيين، عندما جاء إلى السلطة بانقلاب عسكري في 30 يونيو/حزيران عام 1989.
واستحدث النظام البائد قانونا سماه “قانون المنشأة”، الذي أتاح له تشكيل اتحاد للصحفيين بالمخالفة لطبيعة ولوائح النقابات، ليظل ضامنا لسيطرة الموالين له على النقابات المهنية.
عبد المنعم أبو إدريس.. نقيبا للصحفيين
وللمرة الأولى منذ 33 عاما، استطاع صحفيو السودان، أن ينتخبون نقيبا يمثلهم ويعبر عن آرائهم بحرية، في انتخابات ديمقراطية، حاول تابعو الإخوان وفلول النظام البائد تعطيلها والتشكيك في نزاهتها.
وأعلنت لجنة انتخابات نقابة الصحفيين السودانيين، فوز عبد المنعم أبو إدريس، بمنصب نقيب الصحفيين، بعد حصوله على 205 أصوات من جملة 595 عدد الأصوات الصحيحة، ليصبح بذلك أول نقيب منتخب للصحفيين السودانيين منذ 1989.
وأعلن رئيس لجنة الانتخابات، فيصل محمد صالح، في تصريحات صحفية، أن عدد الأصوات الكلي بلغ 659 صوتًا منها 63 إلكترونيا و596 ورقي، بينما كانت الباطلة 64 صوتًا.
وتنافس على المنصب 7 مرشحين من 3 قوائم، بالإضافة إلى عدد من المستقلين، بينهم سيدتان، بينما تنافس 110 صحفيين على عضوية مجلس النقابة.
وحصل عبد المنعم أبو إدريس على 205 صوتًا، ليفوز بذلك على منصب النقيب، فيما نال مرشح شبكة الصحفيين، أيمن سنجراب 158 صوتًا، بينما حصل مرشح التحالف المهني ميسرة عيسى سالم على 101 صوتًا؛ فيما حازت المرشحة المستقلة درة قمبو على 86 صوتًا.
وقال رئيس لجنة الانتخابات، إن “الصحفيين بدأوا الخطوة الأولى في عملية البناء الديمقراطي وقدموا تجربة شفافة ورسموا صورة متحضرة في الممارسة الديمقراطية في سبيل تأسيس الدولة المدنية”.
وكان الصحفيون توافدوا منذ بدء الاقتراع في التاسعة صباح السبت، بدار المهندس بالخرطوم، للإدلاء بأصواتهم واختيار نقيب ومجلس نقابة لأول مرة منذ نحو 33 عاما.
وسمحت لجنة الانتخابات للصحفيين في الولايات وخارج السودان بالتصويت الإلكتروني في سابقة هي الأولى من نوعها في السودان.
ومن المتوقع أن تعلن لجنة الانتخابات، صباح الأحد، النتائج الأولية للفائزين في مناصب عضوية النقابة البالغ عددهم 39 شخصًا.
من هو نقيب الصحفيين الجديد؟
اسمه كاملا عبدالمنعم أبو إدريس علي، من مواليد 29 يونيو/حزيران 1966، وحاصل عبد المنعم على ليسانس آداب من جامعة القاهرة بالخرطوم.
وبحسب وسائل إعلام سودانية، فقد عمل أبوإدريس صحفيا في جريدة “الصحافي الدولي” منذ عام 1999 حتى عام 2000، ثم التحق بصحيفة “الأحداث” الأسبوعية لمدة 3 سنوات، ثم بالجريدة اليومية لمدة 5 سنوات.
كما عمل بجريدة “الصحافة” لمدة 5 سنوات، ثم بدأ متعاونا مع وكالة الأنباء الفرنسية في مكتبها بالخرطوم من 2012 حتى 2015، ثم عمل مراسلا للوكالة منذ 2016 وحتى الآن.
وشارك أبو إدريس في عدد من الدورات التدريبية بينها تغطية القضايا أثناء النزاع وما بعده، كما شارك مع 7 خبراء في إعداد دليل تدريبي لتدريب الصحفيين على تغطية قضايا المرأة والأطفال أثناء النزاع وما بعده.
كما قاد تحرير الدليل التدريبي لتدريب الصحفيين في السودان وقيادة الورشة التي أنتجته لصالح شراكة بين مركز الخرطوم للإعلام، ومكتب المعونة الأمريكية في السودان.
وأصدر أبو إدريس كتابا بعنوان “مدخل إلى القرن الإفريقي القبيلة والسياسة في الصومال إثيوبيا إريتريا وجيبوتي”، عام 2019، كما أن لديه كتاب بعنوان “نظرة على إثيوبيا بعد نوفمبر 2020 في إطار الطبع تمهيدا لإصداره.
أول تعليق من أبو إدريس
وقال عبدالمنعم أبو إدريس، في تصريحات صحفية، إن “قائمة الوحدة الوطنية، التي اختارته كمرشح لمنصب النقيب، تسعى إلى تقديم تجربة نموذجية للشعب السوداني”.
وأشار في تصريحات نقلتها وسائل إعلام سودانية إلى أن “تجربة الانتخابات تؤكد الرغبة الحقيقية للوصول إلى الديمقراطية ورسم الطريق المعبد نحو الانتخابات العامة في البلاد”.
وطالب أبو إدريس الصحفيين بـ”تطوير أدوات الاتصال مع السودانيين المتضررين من كارثة السيول والأمطار في مختلف أنحاء البلاد، والوقوف معهم في محنتهم بنقل المأساة للرأي العام الداخلي والعالمي”.
كما دعا المؤسسات الدولية والإقليمية والنقابات النظيرة على مستوى العالم، إلى “النظر لتجربة نقابة الصحفيين السودانيين التي تعبر عنهم ومن ثم التعامل معها على اساس أنها الممثل الشرعي”.
ولفت إلى أن “برنامجه يشتمل على عدة محاور “أولها السياسي والوطني، والذي تؤكد فيه قائمة الوحدة الصحفية دعمها للتحول المدني الديمقراطي وحرية التعبير وحقوق الانسان ودعم خطوات السلام الاجتماعي”.
أما في المحور المهني، فبحسب أبو إدريس فإنه “يسعى إلى تأسيس نقابة مهنية حرة تراعي ما حدث من تجريف بالمهنة خلال السنوات الثلاثين الماضية على مستوى انقطاع تبادل الخبرات والاجور وتراعي ظروف الصحفيين والتأثيرات الناتجة عن ذلك فيما يلي التطور المهني”.
وتابع أن “النقابة ستعمل على صياغة دليل تدريب شامل يضع بروتكولا محددا لاحتياجات التدريب في البلاد، فضلا عن العمل على ضمان سلامة الصحفيين والصحفيات والمساواة بين الذكور والإناث في الأجور والترقي المتساوي المحتكم الى القدرات والتأهيل”.
ولفت أبو إدريس إلى أن السعي إلى بناء علاقات خارجية جيدة مع مختلف النقابات المماثلة في العالم فضلا عن السعي لإعادة نقابة الصحفيين السودانيين إلى المحافل الدولية والإقليمية، إلى جانب العمل على تحديد أجور مناسبة للصحفيين تتماشى مع الظروف الاقتصادية والجهد المقدم.
المصدر: العين